الأربعاء، 8 سبتمبر 2010

أنا مش طبيعى


يحكى ان جحا قد ذهب فى أحد الأيام إلى السوق لبيع حماره العاجز المريض الكسول الذى لا يصلح لأى شىء
وفى السوق قابل جحا رجلا وعده بأن يبيع حماره بألف قطعة ذهبية
لم يصدق جحا ما يسمع وأعطى الرجل حماره
فما كان من الدلال إلا بدأ بالصياح عن أنه هنالك حصان قوى شديد ويحمل الأثقال لأبعد الأسفار وفى السفر لا يشق له غبار
وأخذ يصيح (( الحصان أبو سريع ... قرب يا جدع ))
تهافت الناس حول الرجل وبدأوا فى المزايدة على الحمار المسكين الذى لا يقترب مما يقول الدلال ولا حتى بقدرته على الوقوف دقيقتين
وأخذ السعر يعلو ويعلو وجحا واقفا مأخوذ العقل يفكر بينه وبين نفسه قائلا (( أحقا كل هؤلاء يريدون حمارى ...أهو حقا بتلك القوة الرهيبة ... أكان فرسا أم حمار ؟؟؟ ))
ولم يكذب جحا لنفسه خبرا وأخذ فى المزايدة إلى أن وصل السعر إلى ألف قطعة ذهبية
دفعها جحا وأخذ الحمار سعيدا إلى المنزل
وكما يقول المثل الشعبى الشهير : كدب الكدبه وصدقها
***
لم أسمع جملة فى حياتى بمثل هذه الكثرة إلا جملة (( أنا معقد نفسيا وتعبان نفسيا ...أو ... أنا مش طبيعى ... أنا معقدة ومكلكعه ))
لا أدرى لما يوصم الناس أنفسهم دوما بمثل هذى الألفاظ ويحاولون إدراج نفسهم تحت تلك الطائفة من البشر
المعقدون نفسيا
وكانها صارت رتبة لا يصل إليها إلا علية القوم والمفكرون
ربما كان هوا الشغف بالتميز والرغبة فى كون الشخص منفردا بذاته وليس له مثيل
وكأن العقد النفسيه ستمنحه عذرا مقبولا لأن يطلق الناس عليه لقب (( مجنون ولاسع ))
وكأن هذا دليلا للعبقرية
أرى دوما أن بداخل كل منا مرآة يرى فيها نفسه قبل أن يواجه الحياة ويواجه الحقائق والمشكلات فى الحياة
فيحدد لنفسه أهدافا مثل الفتاة التى تستعمل أحمر الشفاه لتجعل شفاهها لا تقاوم ومثل الشاب الذى ينسق هندامه قبل أن يهم بالخروج من منزله
ويبدأ فى وضع بعض الأفكار العامة والمبادىء فتكون كالزى الذى يستره ويحميه من أعين الناس ومن شرورهم
فأفكارنا وأنماطنا فى الحياة هى ما يتحكم فى شكلنا فى تلك المرآه
الأفكار السلبية كخيوط العنكبوت
تتجمع على سطح مرآتنا النفسية لتحجب عنا الحقيقة بأننا بشرا خلقنا بشرا على الفطرة وأن بإمكاننا التغيير والوصول إلى ما نريد وأن الطريق إلى الله هوا أسهل الطرق فى هذى الحياة وأكثرها نجاحا
إلا أن تلك الأفكار السلبية كمثلا فكرة (( أنا معقد ..أو .. مقدرش أصوم فى الحر دا ... أو... أنا مبحبش اتخذ قرارات لأنى فاشل فيها ..أو ... لا أستطيع أن أفعل كذا وذاك ))
نضع لأنفسنا فكرة ونبدأ فى تشويه مرآتنا وصورتنا فيها
ونتعامل مع الناس من هذا المنطلق المشوه
فإما أن يهرب الناس أو يأتى لنا من هوا أكثر تعقيدا منا ليقترب منا ويحاول التآلف مع من يعتقد بأنه نصفه المعقد الثانى
فى عالم الواقع حين تتشوه المرآه أو حين يعلوها خيوط العنكبوت دوما ما نستعمل أورق الجرائد الجافة وبعضا من المياه لتعود إلى سابق لمعانها وبريقها ..إلا أن المرآه النفسيه التى بداخل الإنسان لا تزداد بريقا ولمعانا إلا بكشف المستور ومعرفة الحقيقة حتى وإن كانت مرة
فمثلا :
فأنا لا أستطيع أن أتخذ القرارات لأننى لست مؤهلا لذلك علما أو خلقا أو دينا إذن هنالك طريق للقدرة على إتخاذ القرار والتغيير
(( أنا معقدة )) ربما أنا شخص جريح يبحث عما يداوى جرحه ويبحث عن حب صادق ويخشى من أن يفتح قلبه للمارة فى الطريق
(( أنا مجنون )) ربما أنا شخصا يعشق الأشياء الغريبة ويستطيع تغيير مزاجه فى الدقيقة ألف مرة ليمر بأكثر من حالة ما بين السعادة والرضا والحب والهناء والجرح والحزن والألم والشقاء والبسمة وأننى فقط متردد قليلا
نحن و جحا شخص واحد فكلانا قد كذب على الناس وصدق الكذبه
وكلانا ضحى بكل ما يملك من أجل تلك الفكرة الكاذبة
وكلانا لم يتبقى له إلا الخسارة
***
حاول أن تعيد لمرآتك البريق واللمعان وأن تصل للحقيقة مباشرة ولا تكذب على نفسك لتكن مميزا
فأنته كما أنت عليه الحال مميزا
فليس هنالك إثنان فى الحياة من عم إبراهيم البقال أو عم سيد المسحراتى
هنالك مليون مسحراتى ومليون بقال فى مصر والعالم
ولكنهم ليسوا أنت
حاول أن تحافظ على مرآتك .... وإحذر بأن تحطمها كما فعل غيرك وفقد القدرة على التغيير
تحياتى
شاب فقرى