الخميس، 23 نوفمبر 2017

رسائل الوحدة من بلاد الثلج ( الرسالة الأولي )



عزيزتي
بعد التحية والعديد من الأشياء الأخري التي لا يسعني الوقت لذكرها والتي تعرفينها حق المعرفة ولا داعي لتذكيرك ...
أكتب لك وأتمني أن يصلك خطابي لينير لك فى عتمة الممر المسمي طريقنا وحياتنا كشمعة فى العتمة , تزيح عن بالك الخوف وتمسح عن قلبك الهموم والحزن وتذكرك بما أخبرتك به من قبل ليطمئن قلبك, لم يعد لدي الوقت عزيزتي , لم يعد لدي شيء لأمنحه لأحد ولا أدري كيف سأمنح نفسي ما لا أجده فيها وأذكرك وإياي أن الصبر سمة غير موجودة بي , كما أخبرت الكثير من قبل وكما أخبرتك أنني أريد كل شىء لكن للأسف لا شيء لدي لأشتري كل شىء , حتي أحلامي لم تعد موجود , إنها شظايا مفروشة علي الأرض مزقها طول البعد البعد ومزقتها أعاصير الألم , كلما حاولت أن ألملم شتات نفسي وأضمد جراح قلبي لا أجد سوي شوك أسير عليه وشظايا أحاول جاهدا أن  أنزعها من قلبي , أجلس لألملم الشظايا داخلي لأضمد جراحي وأفتح كل الصناديق وأتذكر كل وعود الناس لأجد نفسي فى النهاية أبكي كلما أغمضت عيناي , أنا من لم تخنه عيناه يوماً أبكي بالساعات كلما رأيت طفلا يجري فى الطريق وأمه تسابقه لتحتضنه , رباه لكم أشتاق للمسة كتلك , لكم أتمني لو عاد بي الزمان لأجد نفسي من جديد آمنا وقد حيزت لي الدنيا بحذافيرها وأنا أقبل يديك وأمسح الدمع من عينيك وأسابق الزمان لأكون معك .
لا وقت لدي يا عزيزتي لأي شيء ولا حتي للذكري ولا لمحاولاتي لتضميد الجراح , لا وقت لدي حتي لأسابق نفسي أو لأحارب تلك الوحوش العظيمة التي تركتها في طفولتي ,هل أخبرتك يوماً انني حلمت بك أخبرك عن صفحتي الأولي وطفولتي وأنا أبكي ؟ هل أخبرتك أنني يومها لم أستطع أن أقوم من مكاني طيلة اليوم ؟ ذلك الشعور بالأمان بأن إنسانا يعفو عنك ويصفح ويمنحك ما لم تجده يوما وربما ما لن يمنحه لك الله , ذلك اليوم يا عزيزتي كنت مؤمناً بك كإيماني بذاتي ولكن كما كتبت من قبل في يومياتي أن كلما كانت الثقة عظيمة كلما كان الألم أعظم فى الخذلان , لا أدري فيما خذلتيني تحديداً لكني أشعر اليوم وكأن العالم كله قد خذلني , تدور بين ثنايا عقلي أفكارا عديدة , هل هذا ما أسموه منتصف الطريق ؟ حين يغيب عن عينيك الشاطيء وتسائل نفسك هل أكمل أم أعود ؟ هل هذا ما شعر به فنسنت فان جوخ وروبرت فروبيشر و صديقي الغالي تشيستر ؟ هل تلك هي اللحظات الأخيرة قبل أن ينفجر رأسي فى الغرفة تاركاً بركة من الأفكار والآمال والآلام والأوجاع علي الجدران ؟ تري هل سأسأل نفسي كيف سيجدونني قبل أن أفعلها ؟
لا مانع لدي واليوم أفهم جيداً كيف فعلوها وكيف تركوا كل شىء ورحلوا , اليوم يا عزيزتي أصارح نفسي بالحقيقة أن الحياة لا قيمة لها دون وطن وأننا علي الرغم من كفاحنا فى تلك الأرض الغريبة إلا أنها تعاملنا كثملاً يضاجع عاهرة كل ليلة حتي الفجر فلا يترك فيها نفساً لتحيا يوم آخر ولا حتي يتذكر عنها شيء فى الصباح , فقط هوا يجبرها ويكسرها ويحطم كل شيء إنساني بداخلها , اليوم يا عزيزتي أدرك كيف رحل فنسنت وروبرت و تشيستر , اليوم فقط أصارح نفسي بأنهم لم يكونوا أشجع مني وأحاول جاهداً ألا أتبعهم وألقي بالسكين بعيداً وأقف أتطلع للنجوم لعلها تكن خير رفيق لي الليلة وتحكي لي حكايات كالأطفال عن كيف فعلها قيس وظل حيا بعيدا عن محبوبته أو كيف فعلها كل هؤلاء العشاق فى التاريخ وإستمروا فى الحياة دون وطن ؟ العشق وطن يا عزيزتي ووطني مازال يحمل لون عينيكي وبسمتك وشفتاك وكل ما فيكي , مازلتي أنتي الوطن , حتي وإن فرقتنا المسافات إلا أن القلوب دوماً ما تميل إلي أوطانها وأنا مطمئن لأنك ها هنا بداخلي حلماً جميلا يراودني كل ليلة وصوتاً يدفء وحدتي , هل تبدو سطوري فعلاً حمقاء منسلخة عن الواقع أم أنني مازلت رومانسياً كما يخبرني أصدقائي بأن عواطفي يوماً ستقتلني ؟ الليلة للأسف أموت من آلام وجهي وأحترق ولا أدري هل سأنهض فى الصباح عنقاء أم سيبقي جسدي ها هنا ملقي بلا إهتمام ؟ لا أقدر علي مصارحة نفسي بالحقيقة فربما كنت سابقا فى موطني أسمي نفسي بالغريب لكننا هنا لا نسمي سوي الغرباء ينظر لنا الآخرون بكره لا نعرف له سبباً , ربما عروقنا لا يجري بها نفس الدماء ؟ ربما نحمل فى طياتنا شراً لهم ؟ لا أعرف حقا لكننا هنا غرباء ومازلت غريباً كما كنت دوماً , غريباً عنك فلا أبح لك بسري وغريبا عن أهلي فلا يفهمونني وغريبا عن أصدقائي فيفارقونني وغريباً دوماً كما إعتدت أحارب وحدي وأسير فى عتمة الطريق وحدي .
الوحدة قاسية والألم أقسي وربما هذا ما دفعني اليوم للكتابة , اليوم يا عزيزتي عادت آلام وجهي لتعصف بروحي وجسدي ونفسي ولم يبقي فى الحياة شيء إلا ويألموني حتي صوت الصديق فى عتمة طريق الغربة وهوا يضمد الآلام , حتي نور عيناك فى حلم بعيد مازال يؤلمني ويعصف بوجهي وجسدي , لا أدري إلي متي سيستمر الألم لكني علي يقين أنني لن أحيا هكذا , من العجز والعار أن أموت جباناً بل من الشرف أن أموت بيدي لا بيد عمرو
اليوم يا عزيزتي تركت نفسي للطريق , جلست فى ضوء ما يسمونها هنا بالشمس وهي لا تدفئ ولا تمنح أملا ولا تشرح نفساً , جلست علي قارعة الطريق أراقب حذائي كالعادة , كلما تقدم العمر بي حتي وأنا علي أعتاب الثلاثين وهوا رقم يبدو مرعباً لوهلة مازلت كالطفل الصغير بالصف الرابع أنظر لحذائي وأراقب فيه شيئاً ما , مازلت أحلم بان ينتهي كل الخطوات فى الطريق وأجلس فى النهاية معك , مازلت أعد الأميال وأنظر للخرائط وأفتح مواقع البحث لأكتب من أنا ؟  مازلت ذلك الطفل الذي تاه بمنتصف الطريق وظل يبحث بقروش قليلة عن طريق العودة للمنزل
لم تعد الموسيقي تدفء روحي ولم يعد الحلم يدفعني للأمام بجنون الحالمين وشوق الأطفال لأحضان الأمهات , لم يعد لشيء قيمة , كلما أتنفس أشعر برائحة الحريق هنا فى ألمانيا حيث الهواء النقي العليل مازلت أشتم رائحة الحريق لأكتشف إنها مازالت تنبعث من راحة يدي بعد حرقي لها بالأمس , أخبرتك قبلاً أن آلامنا الجسدية تخفف عن آلام روحنا ومازلت أذكر نظرة عيناك حين لم تفهمي وسألتيني كيف وتجاهلتك كالعادة , كالعادة يا عزيزتي أتجاهلك  لا لشيء إلا لأني لا أريد أعدك بأية شيء لأن وعودي حقيقة لا شيء يكسرها ولا حتي نفسي وروحي الهزيلة , كنت أخاف أن أضيف علي روحي ثقلا جديدا بأن أكسرها بوعد جديد وبإن أترك حبيساً بضع كلمات , أنا يا عزيزتي منهك ومستهلك وفان ولم يبقي بين جنبات نفسي شيئاً لأتمسك به بالحياة , سوي بضع شظايا كمشاهد السينما أراها كلما أرحت رأسي علي وسادتي وكلما أستيقظت فزعاً أبكي , تري كيف سيكون حالي إذا وجدت من يمسح العرق عن جبيني فى ليلة كهذه ؟ أو كيف ستنتهي حياتي إذا وجدت من يقذف قداحتي بعيداً عن راحة يدي المحترقة ؟ وكيف سيكون الشعور إذا ما حلمت الليلة بالوطن ... بك .
سأحتضن آلامي وأحاول ألا أفكر , سأعتصر عقلي لأجد طريقاً جديداً للمستحيل , صدقيني يا عزيزتي برغم كل الآلام والمشكلات التي أعانيها إلا أنني آمنت -وليس أدركت كما كنت سابقاً- بأنه لا مستحيل هناك , فقط أحلامنا وإرادتنا , اليوم لا حريق في راحة يدي ولا شيء سوي آلام وجهي التي يصرخ بها جسدي معبراً عما أمر به , الثلج يحاوطني والأيام تتكرر كتشكيلة ألوان ولكنها بها لون واحد فقط لا يتغير والآلام تزداد , والحياة تقتل نفسي الحبيسة بين جنباتي , تري يا عزيزتي متي أغادر جسدي لأحلق بعيداً عن الألم والمسافات والبعد ؟ متي يستلم الله وديعته ويتركني أجالس عيناك يا وطني كل ليلة ؟ لا أدري , صلي لأجلي وصلي كثيراً لأني لم أحيا يوما في ألم كهذا , صلي لعل الله يقبل صلاتك ويسترد وديعته , إلي خطاب آخر يا طائري الحر
شخص ما