الاثنين، 3 يناير 2011

تحت مشرط الجراح الجزء الثالث : يوم الجراحة





إستيقظت من النوم باكرا على عادتى ولم أبدأ بطقوسى اليومية اليومية العادية من تناوى قدح القهوة وسجائرى المفضلة ....فمع إصرار أمى إمتنعت هذا الأسبوع عن التدخين لعل الله يرد لى صحتى كما تقول إن حاولت المحافظة عليها ....طبعا لم أفكر فيما قالت ولكنى شعرت أنه إذا فعلت هذا ستكون هى مطمئنة على الأقل وستكون أكثر راحة بالا فى صالة الإنتظار أمام غرفة الجراحة وجسدى ممددا بالداخل يعالجونه من علة وهمية لا وجود لها ... لعلهم على حق ولعلهم حقا لم يرغبوا فى سمع علة القلب الحقيقية التى أسأمت هذا الجسد وجعلته فى حالة من ال
( shut down) كل شىء فى بدأ يتوقف منذ ذلك اليوم ... هى لم ترحل عنى ولم تجرحنى ولم تفعل شيئا سوى أنها صمدت أما ظلمى لها وقسوتى وعنادى وقوتى وجبروتى ... لم تفعل شيئا أمام كل هذا ...كانت دوما تبتسم فى رقة وتقول فى هدوء ( حصل خير يا حبيبى ) ... ربما لو كانت قاسية قليلا ... ربما لو كانت لديها بعضا من هذا الغرور الأنثوى أو العناد والكبر الذى تتميز به كل النساء .. لكنها كانت تختلف ...إختلفت فى كل شىء مع الواقع الذى نحياه ...فهى كما كانت تسميها أمى مثل الأطفال الملائكة الأكثر طيبة الذين يموتون سريعا لأن الله يرحمهم من قسوة هذا العالم (( أطفال موت )) هكذا كانت تسميها أمى لتبتسم هى فى مودة وترد لتمحى القلق والخوف من قلب أمى الحانية عليها دوما (( متخافيش ياماما ..أنا مقدرش أموت وأسيب كريم لوحده )) ...
- أمى ( تنادى ): كريم
- أنا : نعم يا أمى
- أمى ( فى قلق ) : يلا عشان كوباية اللبن والفطار بتاعك ميبردش
- أنا ( فى محاولة لكتمان ألم الذكرى ) : حاضر حالا جاى لك يا ست الكل
أخرج من غرفتى وأتناول معها الفطور ولا أدرى لماذا أشعر الآن بأنك ذلك هوا أكثر إفطاراً كان له طعما حلوا فى حياتى ؟؟؟ ربما لأن أمى أعدته كما كانت تعده لى ولها ؟؟؟ ربما لأننى فى تلك اللحظات أشعر وكأن روحها تطوف حولى وتدعو لى للنجاة من جراحة اليوم ؟؟؟
أنتهيت من الفطور وقبلت يد أمى قائلا : ( متخافيش يا ست الكل ... عمر الشقى بقى ) لترد فى ألم : ( راحت أيام شقاوتك يابنى ... فين أيام زمان أما كنت بتنور البيت دا كله وإنته ضحكتنا ) أبتسم لها محاولا عمل بعض الحركات القديمة من أيام الطفولة التى كانت دوما تضحك حين ترانى أفعلها ... لكن تلك المرة لم أدرى أحسست وكأن الضحكة قد مزجت بشىء من الألم والخوف من المستقبل ومن الجراحة
دلفت إلى غرفتى فى هدوء وبدأت فى ترتيب كل شىء كما يجب أن يكون ومكتبى صار أكثر ترتيبا الآن تحتل صدارته تلك الهدية التى أعطتها لى يوما وجهاز الحاسب يحمل صورتنا معا ... لماذا أشعر وكأننى سأراها قريبا ؟؟ لاأدرى ولكنى فقط سأسير فى ما قدره لى الله
جمعت كل ما أوصانى به الطبيب وخرجت من منزلى فى تمام التاسعة بصحبة أمى و كانت تبكى وكأننا نسير إلى قبرى ... أو كأننى ذاهب للموت وحاولت أن أبدل الموضوع فى وجهة نظرها أو أجعلها تبتسم على الأقل لكن خوفها على كان أعظم من كل شىء ... وصلنا المستشفى وإنتهت الإجراءات اللازمة لبدء الجراحة ... وها أنا ذا على طاولة الجراح ...

الآن فقط لا أشعر بكل ذلك الحزن لفراقها ... أرى روحها تطوف حولى وتتلو الصلوات بجوارى ... أتذكر همساتها لى دوما أثناء غضبى وثورتى وقولها ( قول يا رب ) ...أتذكر سيرنا معا على النيل متشابكين الأيدى وقلوبنا تحمل عذرية وبراءة الحب ... أتذكر الآن كل المواقف بيننا .. لا أستطيع أن أصف بعض مواقفنا سويا بالجميلة والبعض الآخر لا ... كل شىء كان كما يجب أن يكون بل أجمل وأحلى مما خلق على الأرض ...كانت كالجنة الخاصة بى والآن وأنا أرقد وحيدا على تلك الطاولة تحت مشرط الجراح لا أرى سواها ولا يهمنى فى الحياة سوى ذكراها .. ولا أعشق فى الموت إلا أن يجمعنى بها يوما...وتمر على كل أيامنا ... طفولتنا سويا ... دراستنا سويا و خوفى عليها وغيرتى ومتابعتى الدائمة لها وكانها زوجتى وطفلتى الصغيرة المسؤل عنها ... الجامعة وأيام عشقنا ... ... وآخر ما قالته لى قبل أن توافيها المنية فى تمام السادسة والنصف : ( خد بالك من نفسك ... لا إله إلا الله ) ...وإستسلمت لأمر الرحمن ... لا أستطيع أن أقول إننى الآن أفتقدك ...كيف أفتقدك وأنتى حولى فى كل مكان حتى عطرك الذى طالما عشقته ...
- طبيب التخدير : يلا يا كريم عد من واحد لعشرة وورينى شطارتك
- أنا : واحد ...إتنيين... تلااااات .........
- الجراح ( بهلع ): إنته خدرته ولا قتلته ؟
- طبيب التخدير : أكيد طبعا مقتلتوش ..إبدأ إجراءات الصدمة ..
بعد عشر دقائق ....
الجراح وقبل أن يمس جسد المريض يعلن ساعة الوفاة
- تاريخ الوفاة 3-1-2011 فى تمام السادسة والنصف

تمت

شاب فقرى