الأحد، 12 سبتمبر 2010

الزيارة الأولى للجراح

جلست بكل هدوء فى غرفة الإنتظار بين المرضى موحيا لنفسى أن كل ما يحدث من حولى لا علاقة لى به وأن ما أمر به هوا أمر نفسى بحت ولا يحتاج للجراحة وألتفت حولى فى هدوء ناظرا فى عيون المرضى وكأنهم يحسدوننى على هذا الشكل الرائع الذى خلقنى الله به وهذى الصحة والجسد القوى الذى لا يبدو عليه أى مرض أو أى نوع من أنواع الألم وبعض العجائز تنظر لوالدتى فى هدوء قائلة : (( ربنا يخليهولك يا حاجة .. هوا ماله بعد الشر ))
تكتفى أمى بإبتسامة حزينة وتقول : الحمد لله على كل حال هوا كدا بقى كويس عن الأول
ينادى الممرض فى العيادة على إسمى وبإبتسامة تحمل شيئا من الطمع فى بعض من البقشيش : (( الباشمهندس كريم ))
أقوم فى لا مبالاة متجها نحوه وواضعا بين يديه ورقة من فئة العشرين جنيه
فيبتسم الرجل لتلك الثروة الصغيرة ويحاول إظهارها أمام المرضى وكأنما يقول لهم : (( شوفوا الناس اللى بتفهم ))
ويفتح باب حجرة الكشف لى قائلا : (( بالشفاء يا باشمهندس ))
أدخل حجرة الجراح وألاحظ أنها لا تختلف عن أى حجرة كشف عادية ...فقط مكتب وبعض المقاعد المتناثرة هنا وهناك ورجل فى أوائل الخمسينات مشغولا بكتابة شيئا ما وساعة دقاقة على الحائط من الطراز القديم الذى إختفى منذ دهر وشهادة تخرج من جامعة عين شمس وغرفة ملحقة على الجانب ... أجلس فى هدوء وأمى على المقعد المقابل لى وأقول للطبيب (( مساء الخير يا دكتور ..أنا كريم اللى إتصل بيك دكتور محمود بخصوص حالته وآدى الإشعة والتحاليل يا دك...)
يرد الرجل فى إقتضاب وكأنما مل من كلماتى القليلة : أيوا فاكر ورينى التحاليل كدا
يرمق التحاليل بنظرة غير مهتمة وكأنما يعلم ما كتب بها ويقول فى هدوء : (( اللى عندك يا كريم هوا مرض بسيط لكن جسمك مكونش ناحيته أى مناعة لأن حالتك النفسية من الواضح من التحليل الظاهر قدامى إنها شيئة جدا والدكتور النفسى اللى إنته زرته قبل كدا من خلال كلامه معايه فهمنى حالتك كويس وعرفنى إنك مش بتتواصل مع حد ولا بتتكلم ... المشكلة اللى ظهرت دى حلها هوا عملية هتتكلف حوالى **** هتدفع نص المبلغ المرة الجايه لما تجيلى إن شاء الله وأنا هحجز لك فى مستشفى **** وإن شاء الله فى خلال خمس أيام هعملك العملية و ياريت بس ..))
تقاطعه أمى فى قلق وخوف مما يقوله : (( هوا يا دكتور فى أمل يحصل تقدم من غير العملية ؟؟ ))
يرد الطبيب فى ملل وكأنما مل من شكوك الناس فى تشخيصه وقراره بالجراحة للمرة المليون قائلا : (( لو كان ينفع يا حاجة مكناش قلنا يعمل عمليه ))
ثم ينظر إلى وجهى فى قلق : (( من الواضح إن فى حاجة تعباك والدكتور النفسى مقدرش يلاقى لها حل ووحدتك زودت الموضوع وأثرت عليك بزيادة فى الموقف دا ... هوا الدكتور النفسى مقاليش حاجة عن المشكلة اللى تعباك فى الحياة غير الوحده .. لكن إن شاء الله لما تتم العمليه ...أتمنى تغير وجهة نظرك من الحياة وتحاول تكمل وتخرج ... زى حسن كدا فى آسف عالإزعاج ... (( ويضحك فى وقار )) وبعدين إنته كمان مهندس ... حاول بقى تلاقى بنت لطيفة تهون عليك كل دا أو حتى تحببك فى الحياة بأى شكل ... وأتمنى عقلك ونفسيتك تتغير بعد العملية عشان تقدر تخف بشكل أسرع لأن لو فضلت كدا هيبقى كأننا معملناش حاجة ))
أبتسم فى هدوء قائلا الجملة الشهيرة : (( ربنا يسهل يا دكتور ...إعمل اللى عليك والباقى على ربنا ))
يرد مبتسما : (( أيوا كدا يا بطل ... هشوفك يوم الأربع الجاى بعد العيد ... تكون جهزت المبلغ عشان أقدر أحجز لك قبل يوم الجمعة قبل ما حالتك تسوء أكتر .. إتفضلوا دلوقتى وإلتزم بالأدوية اللى كتبها لك دكتور محمود لحد يوم الأربع وقبل العملية هديك علاج تانى ))
ترد أمى :
(( إن شاء الله يا دكتور ))
ونخرج فى حزن سويا من حجرة الكشف ويقابلنا الممرض بنفس الإبتسامة :
(( بالشفاء إن شاء الله يا باشمهندس ))
نتجاهله متجهين لخارج العيادة فى حزن ...
ترقبوا الحلقة الثانية أو الزيارة الثانية ........
شاب فقرى