الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

يتيم فى المترو

لم يكن فى نيتى التوقف فى تلك المحطة إنما راودتى فكرة وإحساس غريب بالتوقف وكأنما أبغى أن أعيد لنفسى بعضا من تلك الذكريات التى عشتها فى تلك المحطة ذات يوم , لم تكن المحطة مزدحمة ولم يكن هنالك الكثير من الناس , تفقدت جيوبى لأتأكد من وجود خمسة عشر جنيها تكفينى لشراء وجبة البطاطس التى أعشقها و تكفي لجلوسى فى المطعم الفاخر ربما ساعة أستعيد فيها بعض من إحساسى الذى ضاع مع الوقت وحبى الذى لم يعد موجودا , صعدت درجات السلم وإقتربت من ماكينات التذاكر لأشاهد المنظر المعتاد من حرس المترو ممسكين بطفل كان يحاول العبور بدون شراء تذكرة ولكن ما لفت إنتباهى حقا هوا طأطأة رأس ذلك الصبى , ذكرنى بشىء عشته فى أحد الأيام , ذلك الحزن الغالب على وجهه وتلك النظرة المتألمة فى عينيه لم تكن أبدا من مجرد القبض عليه لمحاولة العبور دون تذكرة , ودون تفكير منى إندفعت نحو الطفل لأخرجه من بين أيدى الحرس قائلا
أنا : فى إيه بس ؟
الحارس : الواد دا كان بينط من عالمكن ولازم يدفع غرامة
الطفل فى أسى والدموع تملأ عيناه : والله ياعمو النهارده هوا اليوم الوحيد اللى نسيت فيه الإشتراك
الحارس : برده هتدفع غرامة
أنا : وهى الغرامة دى كام ؟
الحارس : خمستاشر جنيه
أنا : وهوا دا منظر واحد معاه خمستاشر جنيه ؟؟؟ دا عيل ...
الحارس : يبقى يفضل هنا لحد ما حد من أهله ييجى ويدفع الغرامة
نظرت للطفل فلاحظت كل الأسى الواضح على وجهه حين ذكرت كلمة أهله ,كأنما يحاول بطريقته الطفولية كبت مشاعر أو إخفاء سرا دون سبب وكأنه خجلا من نفسه
أنا : خد الفلوس وهات الوصل للولد
الحارس : حضرتك هتدفع له يعنى ؟
أنا : أيون
توجه الحارس إلى المكتب ليحضر دفتر الإيصالات لتقييد المخالفات لأتمكن من الوقوف على الجانب مع الصبى لأحادثه
أنا : ليه يا بابا تعمل كدا ؟؟؟ مش عارف إن كدا غلط ؟
الطفل : والله ياعمو نسيت الإشتراك النهارده فى البيت
أنا : قولى يا حبيبى هوا بابا شغال فين ؟
الطفل : بابا كان محامى ومتوفى
لم أستغرب رد الطفل فنحن معشر اليتامى لنا نظرة إنكسار ووقفة هادئة وطأطأة فى الرأس وألما خفيا لا يراه سوانا
أنا : الله يرحمه يا حبيبى .. وبعدين بطل عياط بقى
الطفل : حاضر
أنا : هوا فى راجل بيعيط برده ؟
الطفل ( وهوا يمسح دموعه بكفتى يديه ) : لاء
أنا : أيون كدا ...
جاء الحارس بالدفتر ودفعت الغرامة و لمحت إبتسامة لم يستطع الصبى إخفاءها لخروجه من الموقف الصعب ونظر لى الطفل قائلا
الطفل : شكرا يا عمو
أنا : يلا روح عالبيت بس إوعى تعمل حاجة غلط تانى عشان محدش يزعلك ... فاهم ؟
الطفل ( فى خجل ) : حاضر يا عمو
ومشى الطفل من أمامى ليهبط درجات السلم فى فرح وألقيت السلام على الحارس وخرجت من المحطة لألاحظ بأنه لم يتبقى معى شيئا بعد دفع الغرامة فلا معى ثمن الوجبة ولا حتى ثمن تذكرة جديدة لإستقلال المترو حتى بيتى ,نظرت إلى المطعم الفاخر فلم أجد حتى رغبة فى النظر إليه ولا أى شىء قد يستحق إهتمامى فيه , إبتسمت فى فرحة و أخرجت سماعات الرأس من جيبى لأسمع الموسيقى سائرا إلى بيتى وعلى شفتى تلك الإبتسامة التى لمحتها على شفتى الصبى منذ قليل .
تمت ,,,
شاب فقرى