الاثنين، 6 مايو 2013

ثقب فى الجدار

رأيتها ...
كانت هنالك تقف بروعة حضورها الدائمة أو دعونا نقول كانت تقف كما هي , الشيء الأكثر روعة فى أي شخص أن يكون هو هو , لا داعي للفلسفة ولا داعي للحديث غير المفهوم , خلاصة القول أنها كانت تقف هناك كما إعتادت أن تكون , عادية ورائعة ومبهرة وجميلة وكل تلك الصفات والنعوت والكلمات التي يمكن أن تصفها لك كما رسمت فى خيالي , كانت تقف تنظر إلي شىء ما وتحمل فى يدها العديد من الكتب وتوليني جانبها لا ظهرها وهنالك بالتحديد علي جانبها رأيته .... رأيت الثقب , ثقباً غير منطقي وجوده فى جانب ملابسها يظهر منه جسدها و شوقها , حاولت أن أقترب منها ولكنها لم تعرني إنتباهاً فإقتربت فى هدوء لتمتد يدي وأصابعي إلي هذا الثقب وتلمس جسدها وتلمسها , فجأة وبدون مقدمات شعرت هي بأنني فى المكان , وضعت كلتا يداها علي وجهي وإبتسمت وقبلتني , أخبرتني فى رعب : أنا خايفة  ثم إستطردت قائلة : متكلموش يا كريم متكلموش متكلموش , حاولت أن أضمها ولكن فجأة زالت كل الجدران بيننا وكانت كما ولدتها أمها لا ترتدي أي شىء , عانقتها فى حرارة وشعرت بها تذوب بين يدي ويحتويها جسدي الآدمي وروحي تضمها لتكتمل , شعرت بها ترتعش لرغبتها فى وشعرت بكيانها كله يصرخ : أن إقترب يا حبيبي , لا تدعني , قبلني , إمتلكني , انا لك . رأيت اليتم فى عينيها يختفي وأصابعها تحيط رقبتي وكأنها إبنتي التي أنجبها خيالي وأحلامي وأماني العمر ولكنها كانت أروع من كل ذلك , ظللنا علي هذا الحال إلي أن إصررت لمقابلته , لا أدري ما قلت أو ما فعلت ولكني كنت قوياً مقنعاً جدا ولا ادري لم كانت خائفة إلي هذه الدرجة من اللقاء . 
الثقب يتسع فى الجدار لتتسرب منه لحظات من الماضي والحاضر والمستقبل , صوت موسيقي وغناء ولهفة وكلمات قيلت فى لحظة عشق ووعود وأماني . ملايين الأشياء تتسرب لتمليء علي حياتي وتسكن كل لحظة . هذا هوا واجب الحرس أن يوقفوا كل هذا , أن يمنعوا هذا التسرب  , لا أعلم أين الحرس الآن لكنهم حتماً سيكونوا موجودين فى لحظة ما لينقذوا الموقف كعادة كل الحرس علي مر العصور , ولكن هل أفاد الحرس حقاً علي مر العصور من يحرسونه ؟ إسأل كينيدي , أو ربما عليك أن تسأل مارتن لوثر كينج أو السادات أو حتي بن لادن وربما عليك أن تتعمق أكثر لتسأل يوليوس قيصر ذات نفسه ؟ هل أفادكم حراسكم فى شىء , أصرخ كرب البيت وكسيد كل السادة أن هبوا لنجدتي لكنهم مشغولون بشىء ما مهم , حتماً هذا هوا المفتاح والسؤال الأهم : إذا لم تدافع عن نفسك من سيدافع عنك ؟ ربما تركوني لأحاول الدفاع عن نفسي وهم مختبئون فى جانب ما خلف إطار صورة ما وربما خلف شىء ما ليهبوا لنجدتي فى الوقت المناسب , علي أن أصمد , حسنا حسنا , الصمود هوا الحل , عشت حياتي صامدا ولماذا أتخلي عن ذلك الآن .


قالها أمل دنقل فى رائعته البكاء بين يدي زرقاء اليمامة : 
“اه .. ما اقسى الجدار
عندما ينهض فى وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر .. كى ننقب ثغره
! ليمر النور للأجيال .. مره
ربما لو لم يكن هذا الجدار ..
!! ما عرفنا قيمة الضوء الطليق”

- ولكن أمل إله شعر الرفض وليس أميره فقط , كان يتحدث عن جدار آخر وعن شوق آخر للنور وعن وطن آخر وكل شىء مختلف  ؟ ربما لو حاولنا تقريب المعني ماذا لو تخيلنا الجدار شىء تعرفه أنت وحدك والنور هوا جسدها وحضورها و الثقب هوا الشوق وعلي الجانب الآخر من النور يكون الحب والجسد والإكتمال ؟ هل يناسبك هذا ؟

- إخرس يا أحمق , لا يمكن طبعا أن تشبه إنساناً بالنور , فالنور يا عبقري عصرك وأوانك طاقة والإنسانة ليس بطاقة ولكنه مادة يسكنها طاقة تحركها إلي أن تنتقل الطاقة لشىء آخر وبالتالي تنتهي حياة الإنسان بعد رحيل الطاقة إلي بُعد آخر , كما أن الإنسان متغير ومتقلب وهذا لا يمكن أن يكون نوراً , والآنسان تارة عاص وتارة مؤمن وتارة ملحد وتارة فيلسوف وتارة أخري نبي .

- قالها أمل فى إحذ قصائده : 
 “ارشق فى الحائط حد المطواه
والموت يهب من الصحف الملقاه
اتجزأ فى المراه
يصفعنى وجهى المتخفى بقناع الذل
اصفعه..... اصفع هذا الظل
كل الناس يفارقهم ظلهم عند الليل

الا ظلى..
ينسل معى يتمدد فوق وسادى المبتل
البسمة حلم
والشمس هى الدينار الزائف
فى طبق اليوم
من يمسح عنى عرقى فى هذا اليوم الصائف؟
والظل الخائف
يتمدد من تحتى بفصل بين الارض ... وبينى

 -يا أحمق , هذا حلمك , لقد قلتها بنفسك كما قالها أمل : البسمة حلم , أنت تحلم , أفق أرجوك ودعني من هذيانك وأحلامك .

أفيق من نومي علي صوت أمي ووجه ( سلمي )  الطفلة الصغيرة قريبتنا  تعطيني قطعا من السكر , أفكر فى الثقب وأتأكد أن الثقب حقيقياً وأن مجرد محاولة الهروب منه هوا غباء كما أنه ليس من شيمي , الهروب للجبناء والخوف للآخرين ولم يخلقا لي للأسف , لكنت إرتحت من آلاف المعارك و وقيت نفسي ملايين الجراح, وأقوم من سريري لتبدأ المعركة ويبدأ يومي .


تمت ,,,


***
كل شىء يزول كل شىء ينتهي كل العوالم تخرب وحتي الزمن ذات نفسه لا يبقي للأبد , ما هوا الأبد أصلا ؟ هل هوا تلك الإستمرارية المزعجة فى الحدوث أو التواجد ؟ ما هوا التواجد أصلا ؟ فقد تتواجد الأجساد فى أماكن والأرواح فى أماكن أخري وأنا خير من يعرف ذلك , أين تذهب كل تلك الأرواح ؟ ومتي تلتقي وكيف تلتقي ؟ هل تحيا الأرواح للأبد لأنها طاقات من النور ؟ إذن فنحن سنحيا إلي الأبد ولذلك فبعد الموت ينتظر أرواحنا مصير مفجع وهوا إستمرار التواجد ؟ ربما يختبيء لنا فى العالم الآخر أمورنا أكثر روعة تستحق الحياة للأبد ؟ وربما أمور أكثر قسوة وبشاعة فى جحيم من نوع خاص , لا أدري وربما لا أريد أن أن أدري , كل ما علي فعله الآن هوا أن أكتب ما أفكر فيه , أكتب عن فرانز كافكا وربما عن هذا الوجود الحقير , ربما أكتب عن حقارة قوم يستهلكون حجراً إلي حد الجنون - أي جنون إستهلاك هذا الذي أصاب البشر فى السنين الأخيرة من كل تلك السنين التي عاشها الإنسان علي ظهر البسيطة - ربما أكتب عن الجنس فأبدع ؟ ولكن أي جنس هذا ؟ المجرد من المشاعر أم المشحون بكل مشاعر الخلق وأظهر فيه قذارة تسكن جوفه تحمل لنا العذاب لاحقا ؟ ربما علي أن أكتب عن الأساطير أو عن الفلسفة أو عن إحتقار الذات أو عن رسائل فرانز كافكا إلي ميلينا وفيليس ؟ لا أدري , سأكتب لاحقا ما أريده والآن كل ما علي فعله هوا أن أنغمس فى كتب أخري لأشرب رحيق حياة شخص أحمق مثلي أفني عمره فى تسجيل الفكرة وكتابتها بينما كان أعظم شىء يجب عليه فعله هوا إنهاء حياته أو إنهاء هذا الوجود التعيس لأمثالنا .
***
تأملات فى البعد الخامس :
الأبعاد هي : الطول والعرض والإرتفاع والزمان 
وقد أضاف أينشتاين البعد الرابع لكل شىء 
ولكني أري شيئا مختلفا 
كل شىء يختلف تماما حين تري البعد الرابع وهوا الزمن وبداية ونهاية كل شىء , لا تنسي ان كل شىء له بداية حتما وبدون مجال للنقاش له نهاية فلا شىء يحمل المطلق فى التواجد سوي الآلهة وهؤلاء لا يمكن إدراكهم بعقولنا التافهة ولذلك فلنحاول إدراك أنفسنا أولا قبل أن نحاول إدراك الآلهة وقبل ان نحاول البحث عن النور فى الكون فلنبحث عن جوهرنا أولا .
السير فى الطريق بالنسبة لشخص مثلي شىء فى غاية الخطورة فمع كل إنعطاف يكون هنالك محاولة للإنتحار ومع كل عبور للطريق يكون هنالك جنون كافي جدا لأن أغمض عيني أثناء العبور , ليس كل هذا رغبة فى الموت أو خوف من الحياة ولكنه رغبة فى اللاشىء , أريد أن أحيا شيئاً لا أعرف ما هوا ؟ هل هوا المتعة التي تفوق كل المتع ؟ هل هي المخاطرة او المغامرة كما يحب الحمقي تسميتها ؟ لا أدري ولكن أبحث عن شىء لا يعرفه أحد وحتي أنا لا أعرفه ولكني فى ذات الوقت أستشعره يقترب أحياناً وأحيان أخري فى الطريق أشعر به يبتعد عني وأشعر ببطاريتي الروحية يقل بريقها شيئا فشيئاً .
السير فى الطريق لشخص مثلي هوا شىء فى غاية المتعة , ليس علي سوي أن أنظر للعابرين والعابرات , ليس فضولاً مني بالطبع , ولا رغبة مني فى ممارسة الجنس مع كل شىء يتحرك , وطبعا ليس أي شىء سوي أنني أريد أن أري , أريد أن أستغل قدرتي علي الرؤية إلي أقصاها , أفتح عيوني وأفتح بوابات عقلي أكثر فأكثر وأنظر للسائرات والسائرين , أري الفتيات وأذكر قول بطل روايتي : البنات دول لو فكرت فى دماغهم دماغك هتوجعك , ركز براحة هتلاقى الأنثي طول وعرض وجغرافيا وسيبك من الدماغ .
أحاول الهرب من رأي أحد أبطال روايتي وبالرغم من ذلك فإنني ألاحظ كل شىء , أري كل شىء فى كل شخص يمر من أمامي , ثنيات الجسد وملامح الوجه وحركة الأصابع ولون الشفاه ولون العيون والشعرات الهاربة من الحجاب وأحيانا الحذاء الذي يخفي قدماً كأقدام القرود , وإنفعالات الوجه التي تظهر لي البعد الخامس , حكاية كل شخص يسير فى الطريق , هذا يتأمل وهذه تتمني شيئا ما يخص عملها وتجز علي أسنانها والآخر يحاول إبقاء ذهنه مشغولاً بالأغنيات أما العاشقان فى نهاية الطريق فسيمسك يدها عند المنعطف و ( يأنجشها ) ويسيران جنباً إلي جنب , وهذا الذي يجلس هنالك عيناه قلقه ويبحث عن قلمه ويحرك يده علي حقيبته التي لابد انها تحمل كتابا ما ودفترا يدون فيه ملاحظاته مثلي , كل هؤلاء فى الطريق سائرون وسائرات وأنا أتابع 
البعد الرابع لحياة كل شخص هوا الزمان , من كان وكيف تكون ومن هوا الآن وماذا سيكون فى المستقبل , سهل جدا رؤية هذا البعد ويساعدك بشكل مدهش علي التجريد هذا فقط إن إستطعت أن تقترب من التجريد فالإقتراب منه كمن يقترب من الشمس يلتمس منها الدفء فى حين أن كل ما ستفعله هي أن تحرق كل ذراتك علي حدة و ( بمزاج ) 
البعد الخامس هوا الإحساس الذي يسكن نفوس البشر وأفعالهم وتصرفاتهم , يمكنك أن تصفعها لكن إحساسك الواصل إليها أنك تعشقها أكثر من أي شىء ويمكنها أن تقبلك وتضمك وتحتضنك وتحتويك وربما تمنحك أثمن  ما يظن هذا المجتمع الاحمق أن الفتاة تمتلكه ولكنها فى ذات اللحظة ليست معك وروحها ليست موجودة 
الأمر ليس سهلاً ولقراءة كل هذا لابد عليك أولاً ان تكون خبيراً وقادراً علي كشف الأكاذيب أو الدرجة الأسمي وهوا الشعور بها , فطبعا درجة الشعور بالكذب أسمي بكثير من القدرة علي إكتشافه عقلانياً .
فى ذلك البعد الخامس الذي أراه فى البشر فى الطريق يكمن ملايين السطور ومليارات الكلمات التي لا يوجد لها أوراق كافية ليتم كتابتها فيها , فى البعد الخامس أغترب كما أخبرتني صديقتي ( س ) من قبل حين قالت أنني قادر علي الإغتراب الروحي والحياة داخل إحساس شخص آخر والشعور تماما بكل ما يشعر به والكتابة عن ذلك وبجدارة , ولكن من سيكتب عني ؟
***


لافتة وإعلان هام :
طبعا بعد قراءة نقطة النور لابد أن تحلم ولابد أن تبحث عن الإجابة ولابد أن تشعر بكل هذا , لابد أن أرتكب جريمة ما فأنصت لحماقات الآخرين وأدعي الإهتمام وأشرح وجهة نظري آلاف المرات لعل أحداً يفهم ولكن هذا لا يحدث , آخذ مقعدي المفضل وأجلس علي قارعة الطريق وأطلق النداء بعد وضع اللافتة بجوار المقعد: يا أيها الناس , سأنصت لأي شخص منكم , سأنصت لكم و إلي أي شىء تقولونه .
طالما أنا قادر علي الشعور بكل الناس وأن أحيا حياتهم دون أن أكون جزءا فيها وأن أغوص فى أعماقهم ببساطة فلما لا أستمع لهم وأجلس بلافتتي هنا علي الإنترنت أو علي قارعة الطريق ؟؟؟
أنتظر الرد من العابرين , وربما عليٌ أن أنتظر شخصا ما يأتي ليتحدث لتخرس الضوضاء والأسئلة , هدوء , صمت , سمو , رقي , إنتظار للمتحدثين , وسؤال يتردد في عقلي ...
لماذا كلما نرتقي بأفكارنا نري كل شىء حقيراً لا معني له ونفهم أطماع البشر وحماقاتهم , لماذا نري نقائص الناس ونري قذارة الدنيا والمجتمع وكل هذا بينما ننظر إلي شىء فى غاية الروعة ؟ لماذا ؟


شاب فقري