الجمعة، 22 يونيو 2012

كان و كانت

كان يبحث عن الأمان ومازال ..
كان تائهاً ومازال ..
كان وحيداً ومازال ..
كان يملك كل أمل الدنيا بداخله ويخبئه عن كل الناس راسماً وجه اليائس , لكنه لم يعد كذلك.
كان يملك تلك النظرة الساحرة التى لطالما وصفوها بأن ( عينيك بتضحك ) لكن لم يعد يملكها بعد الآن .
كان يحلم  .... كان ...
كان فرحا بوحدته وبمحادثاته البسيطة مع الحائط كل مساء و مع كوب الشاى كل صباح  ومع سجائره عند سيره فى الطريق لكنه لم يعد يملك كل هذا الآن 
كان يملك بداخله كل تلك الدنيا بأفراحها ومفاجآتها فى أوانٍ ملونة بداخله ولكنها تكسرت الآن .
كان يشتاق لجنة وأرض لم تراها عيناه بعد وكان واثقا من إيجادها لكنه لم يعد كذلك .
كان واثقا بأنه لا يعرف من أين أتي ولكنه الآن تذكر تلك المجرات فى صدع ميدوسا و أحلامه المفقودة بداخلها والعوالم التى تكسرت من قبل .
كان قادرا على مواجهة أعتي انواع الحزن وحتى الموت ذاته , لكنه لم يعد قادرا حتى على مواجهة ذاته بعد الآن .

***

كانت صغيرة لكنها لم تعد كذلك 
كانت تفتح أبواب عقلها لإدراك كلماته وأفكاره , لكنها أغلقت كل الأبواب الآن .
كانت تحلم فتسمو بعالمه إلى عوالم لم يحلم بها من قبل , لكنها لم تعد كذلك
كانت تفتقده كل مساء حتي حين كانت تسمع صوته فى أحلامها ولكنها لم تعد كذلك 
كانت تبني بيتهما كلما أغمضت عينيها وكلما لمحت طفل يبتسم لكنها صارت تبني عوالماً بدونه الآن 
كانت واثقة منه أكثر من ثقتها فى إسمها ومعناها وحياتها لكنها صارت تثق فى أمور أخرى الآنن 
كانت الدنيا فى عينيها تتلخص فى أربعة أحرف متصلة تسمعها من بين شفتيه لكنها لم تعد كذلك .
كانت ( هي ) ولكنها لم تعد كذلك .

شاب فقري

يوم جمعة

طفل صغير :
كان دوما يوم الجمعة يوم مميز بالنسبة لي , حتى فى طفولتى كنت أشعر بأن كل شىء له مذاق مختلف فى يوم الجمعة , ليس فقط الإفطار وليس فقط الوقت المار ولكن كل لحظة فيه كانت تبدو لي مختلفة وأنا أخطو خطواتى الأولى فى الحياة وأحاول التعلم .
مازلت أذكر جلباب أبى الأبيض فى يوم الجمعة وإبتسامته الواسعة وذلك الدفء الذى يحيط بي حينما أقترب منه , مازلت أذكر كل تلك التفاصيل الدقيقة لأول يوم جمعة صليته بالرغم من أننى كنت صغيرا جدا , مازلت أذكر المسجد الذى صليت به والطريق الذى سرنا فيه وذلك الحوار الذى دار بيني وبين أبى فى الليلة السابقة عن الله و عن الصلاة وسؤالي ( بابا مش هتاخدني معاك بكره ؟؟؟ ) وإبتسامته الدافئة فى تلك اللحظة وكيف علمني الصلاة ومازلت أذكر حتى تلك التفاصيل الدقيقة وحوارنا:
أنا : بابا هوا إحنا بنصلي ليه ؟
أبي : عشان نفضل قريبين من ربنا ونفضل على طول فاكرينه 
أنا : طيب ما أنا على طول بفتكر ربنا وبقول بسم الله فى كل حاجة , وبعدين هوا ربنا محتاجنا نصلي ليه أصلا
أبي : ربنا حوالينا وجوانا والصلاة بتحافظ على قربنا منه يا كريم وبتعلق قلوبنا بيه 
مازلت أذكر جمعتى الأولي وأذكر كلمات أبي قبل الخروج للصلاة حين قال لى ( متلعبش فى الجامع وأقعد مؤدب ) وإبتسامتي الخبيثة تلك اللحظة , ومازلت أذكر حين دخلت المسجد وصوت الآذان و وقفتي مذهولا فى المسجد , ذلك المكان الواسع الذى شعرت فيه بأمان مطمئن لروحي ووقفتي بين المصلين وتلك المرة الأولي التى سمعت فيها كلمة ( آمين ) ومنذ تلك اللحظة وأنا مواظب على الدعاء كل ليلة وكل يوم , مازلت أتذكر دعواتى ليلا ويوم أن إستجاب الله دعوتي الأولي كما أذكر تلك الليلة ظللت أبكي إلى أن نمت من شدة البكاء .
***
مراهقا .
أصبح يوم الجمعة أكثر تميزا بالنسبة إلى حين مرض أبي وبدأت أصطحبه كل جمعة بنفسي و يستند علي إلى الجامع ويطلب مني أن أجلس بجواره , مازلت أذكر الجمعة التى إشتد فيها المرض عليه و شدة تمسكه بيدي فى ذلك اليوم كما كنت أمسك بيده تماما حين كنت طفلا .
***
رجل .
مازلت أذكر ليلة الجمعة التي مرض فيها أبي وكل تلك الخواطر التي مرت برأسي ماذا لو إستيقظت ولم أجده حيا وحينها بكيت كطفل يخشي اليتم , تمنيت لو قبلت يده فى تلك الليلة أو حتى نمت بجواره للمرة الأخيرة , مازلت أذكر وجهه حين إبتسم و قام بالدعاء لنا , وفى صباح الجمعة حين حاولت إيقاظه لأصحبه للصلاة وجدته قد فارق الحياة .
مازلت أتذكر كل تفاصيل ذلك اليوم والأيام التى سبقته , مازلت أذكر كيف كبرت لأصير رجلا فى ذلك اليوم , مازلت أذكرك يا أبي ...
مازلت أذكر المرة الأخيرة التى حملتك فيها إلى المسجد, ليصلي عليك ولتقابل رب كريم .

***
مازلت أذكر المرة الأولي التي أخرج فيها للعمل وكانت يوم الجمعة , ومازلت أتذكر كيف قابلتنى الدنيا فى هذى الأيام وكيف منها بدأ شيئا غير معني حياتي وهدفها, مازلت أذكر كل تفاصيل أيام العمل بكل آلامها وكل ما مر بي فيها .

***
يارب .. وكفي .

شاب فقري 
يوم جمعة

يارب و كفي

غدا الجمعة ,
أذكر كل تلك المرات التى دعوت فيها الله يوم الجمعة ولم يرد يدي خائبة الرجاء , مازالت دعواتي كما هي لم تتغير منذ أعوام ومازال أحبتي بجواري بل أن حتى العديد من الأمور قد تحقق , لقد دعوت كثيرا وكثيرا وكثيرا حتى أنني قد نسيت أن أدعو من أجلي فى كل تلك السنين التي مرت  , أذكر تلك المرة التي دعوت فيها للمرة الأخيرة منذ أسابيع , وأذكر أن دعوتي إستجابها الله قبل أن تمر ثلاثة أيام , يا إلهي ... هل تحبني هذا القدر ؟؟ أم هل تكره صوتي حين أرفع يداي إليك لأنى دوما ما كنت بعيدا عنك وعن طريق الهداية , أدري أنك تعلم أكثر مما أعلم وأكثر مما تعلم هي وأكثر مما يعلم العالمين جميعا , يارب غدا سأطرق بابك داعيا , لن أدعو كل تلك الدعوات التي  واظبت عليها لسنوات , لن أدعو إلا دعوة واحدة ويارب لا تخيب رجائى ولا ترد يداي خاوية , يارب أنت تعلم من أنا وهم لا يعلمون , فلا تفشي سري لهم ولا تجعلهم يعاقبونني بما يظنون ولا تجعلهم يوجعونني بما ليسوا واثقون منه , غدا سأرفع يداي إليك يارب فلا تردها خاوية , لا أتمني سوي شىء واحداً ودعوة واحدة  وأتمني وأترجي يارب ألا تتركني حزينا وتجيبني يا أرحم الراحمين .

يارب 
أثق بك 
أؤمن بك 
أتقبل قدرك وقضاءك 
راض أنا بعدالتك وبما حكمت 
يارب 
أنت تعلم ...
يارب ... وكفي 


شاب فقري
الخميس , ليلة الجمعة
22-6-2012