الأربعاء، 14 سبتمبر 2011

تاج النور ... حكاية قبل النوم 2


جلسنا سويا فى شرفتنا بعد العشاء وحولنا الأحفاد من كل مكان فالبعض منهم يصيح فى غضب وبعضهم يلعبون معا وبعضهم يمسكون فى أطراف الروب الكاروهات ويصيحون بصوت واحد : جدو عايزين حدوتة يا جدو ... تيتا وبابا وماما بيقولوا إنك بتعرف تحكى حواديت يا جدو
لم أحاول أن أنهرهم لطلبهم أو أن أعنفهم بل تقبلت عبثهم بطرف الروب ومحاولة إيقاعى من الكرسى بصدر رحب وقلت بصوت متزايد فى العلو : تعالوا يا حبايب ... جو هيحكى لكم قصة ... لم أنتهى من جملتى حتى تجمع حولى الخمسة عشر طفلا فى آن واحد وكأنهم سقطوا على كنز من الحلوة أو جبال من الشوكولا وكلهم فى صوت واحد : بنحبك يا جدو ليقطع هتافهم جميعا صوت هادىء قائلا: مين بيحب تيتا
يجرى الأولاد حول جدتهم الممسكة بصينية كبيرة تحمل عليها خمسة عشر كوبا من ذلك المشروب السحرى ( الهوت شوكليت ) ويجتمعون حولها جميعا ليلتقط كل منهم كوبا ويعود مسرعا إلى مكانه حول الكرسى الهزاز الخاص بى وتقترب جدتهم منى لأقول لها فى حزن مصطنع : فين الهوت شوكليت بتاعى أنا بقى ؟؟؟
لترد فى رقة وحزم كما تعودتت منها دوما : حد قالك ييجى لك السكر بدرى كدا ...إنته لو كنت سمعت الكلام وخدت بالك من نفسك مكانش هييجى لك قبل الحفيد العشرين على فكرة
أحاول أن أكرر السؤال فى مرح : طيب بما إن الخطة فشلت بقى ممكن أخدلى هوت شوكليت ؟؟؟
لترد فى حزم وكأنها لن تتردد فى تنفيذ ما تقول : خلص ومش هنجيب النهارده ... دول كانوا آخر شوية هنا
أبتسم لها فى هدوء وأحاول تهدئتها , منذ زواجنا أو بداية عشقنا منذ أربعين عاما لم تكف يوما عن القلق على صحتى وعلى شخصى وعلى أحوالى كافة فى الحياة , لم تتردد لحظة فى إتخاذ أكثر الأمور جنونا وحزما لعلاقة عشقنا حتى حين إقترحت عليها فى جنون قائلا ذات يوم : من الواضح إن مش هينفع نعرف بعض فى الخفا كدا ولازم نبعد سنة عالأقل ...أتكر كيف ردت على فى ذلك اليوم وبنفس الصوت الحازم والرقيق فى ذات الوقت فلا تدرى هل هى حقا تريد أن تأسرك برقة وعذوبة صوتها أم أن الحزم الواضح فى حديثها يغلفه الكثير والكثير من الرغبة فى الحفاظ على كل شىء يخصنا ولازلت حتى هذه اللحظة أتذكر إيماءة رأسها بإبتسامة وصوتها حين قالت ( موافقة ) وإختفت وكأنها لم تكن ولكنى شعرت بها كل يوم فى ذلك العام حتى يوم تخرجى من الكلية ... مازالت أذكر يوم لقاءنا بعد كل هذا الغياب .. لم يحدث أى شىء لا عناق ولا مصافحة ولا حتى إيماءة .. لقد قابلتنى أمام باب الجامعة الرئيسى ...أتذكر هندامها وفستانها المزين بالفراشات وأتذكر تلك الطرحة وقلادة جدتها التى لطالما عشقت أن ترتديها وأتذكر حتى لحظة أن سمعتها تنطق إسمى لألتفت وأجدها تقف خلفى ... لم أعرف تلك اللحظة ما أفعل ... فقط ظللت محدقا فى عينيها قرابة الساعتين حتى ظننا كل من يعرفنا مجانين ولكن أى جنون هذا ... جنون عشقها ... مازالت تحمل نفس بريق العينين ونفس النظرة الرقيقة التى تطل منهما وتحمل لى دوماً الدفء والأيمان , ذلك الإيمان الذى يمكن أن يدفعك إلى أن تضحى بحياتك من اجل أن تنقذها من ليلة حزينة أو من اجل أن تمنع عينيها من البكاء على شىء مفقود , إنها ذلك الإيمان الذى يمنحك الأمان فى كل جوانب حياتك .. لم يفتنى ذلك منذ يوم لقائى بها من الليلة الأولى وأنا أدقق النظر فى عينيها وهى تصيح فى كل مرة (donot stare at me ) مازلت أتذكر كيف ضحكت للمرة الأولى يوم لقائنا وكيف كانت قلقة من تأخر الوقت ولكنها واثقة فى حزم أنها لم تفعل أى شىء بشكل خاطىء
الحفيد ( مقاطعا الجد ) : إحكى لنا حدوتة القمر يا جدو والولد والبنت والبحر
الجد : آه يا شقى ... طالع لباباك ... تقصد الحدوتة اللى إسمها (تاج النور ) ؟؟؟
الحفيد : أيوا يا جدو هى دى ... وبعدين بابا قالى لما تقول عليا شقى أقوله إنى طالع لك
الجد ( ضاحكا ومداعبا الفتى ): طيب يلا يالمض بقى إسكت عشان هنبتدى نحكى ... ( يتوقف الجد عن الضحك لينظر للجدة قائلا ) : حطى له سكر زيادة فى الهوت شوكليت الواد العسل دا
ترد الجدة فى حزم : مينفعش ... الواد سنانه متستحملش وكمان مش كفاية إنه كل يوم يتخانق ويكسر سنة من سنانه
الجد : خلاص خلاص ... تعالى يلا نكمل الحكاية بقى
الجدة ( تتحرك فى رشاقة وجمال لا يتناسبان مع عمرها ولكنها فيهما لا تبدو حقا بمثل هذا العمر قائلة ) : تقصد نبتدى الحكاية
***
كان ياما كان فى سالف العصر والأوان وما يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام ... كان فى هناك فى السما قمر نوره دافى وهادى ومش بيتعب العين ولا بيضر حد لدرجة إن الناس كانوا بيصحوا بليل وبيناموا بالنهار
الفتى الشقى مقاطعا : متاكدة يا تيتا ؟؟؟
الجدة قائلة فى حزم ورقة : مينفعش تقاطع تيتا وهى بتحكى يا أحمد .. يلا يا حبيبى إقعد عشان أكمل الحكاية ( لتكمل الجدة الحكاية قائلة )
وكان الناس بتحب القمر لأنه نوره ساطع وأحلى من الشمس بكتير وكانوا كل ليلة يقولوا للقمر تصبح على خير يا قمرنا ويروح القمر يستخبى فى حضن البحر من حرارة الشمس لأنه كان خايف الشمس تعرف إن القمر هوا السبب فى إن الناس بطلت تحب الشمس وبطلت تصحى تجرى فيها كل يوم ... والشمس إستغربت اوى من غياب الناس كل يوم ورا التانى ورا التالت ورا الرابع لدرجة إنها بدأت تدور وتسأل النجوم وسافرت لمدة سنة لأبعد وأكبر وأقدم نجمة فى المجرة ... جريت الشمس عليها تشكى لها حالها وتعيط لها على اللى بيجرالها من الناس وسألت الشمس ياترى هتقدر تحب الناس ووتخليهم يحبوها ؟؟؟ وهتبطل تتعبهم وهما شغالين ليل ونهار فى الحر والمجهود الشاق اللى بيعملوه ؟؟؟ وياترى هتقدر تنور لهم طول اليوم بدون ما تلم عليهم الغيوم أو تبعت لهم صفا السما يوصل نورها بشكل أقوى ليهم ويتعبهم ... ومن هنا وعدت الشمس أقدم نجمة فى المجرة على حماية الناس وأمانهم وإنها تحبهم وتحافظ عليهم وعلى راحتهم وقامت أقدم نجمة فى المجرة أعطت الشمس تاج النور .. تاج النور كان أسطورة قديمة أوى فى المجرة وكل النجمات بيدوروا عليه ولكن مفيش ولا نجمة قدرت توصله لأنه كان بيحوى طاقة رهيبة تقدر تقوى طاقة الشمس ألف مرة لدرجة محدش يتخيلها ولكنها بتزيد فى عمر أى نجمة اكتر من الباقيين وتخليها تبقى أقدم نجمة فى المجرة عن الباقيين ... ومحدش يقدر يعارض نورها أو يحجبه أبدا
أحمد ( الحفيد المشاغب ) : وبعدين ياتيتا
الجدة : أنا تعبت ... خلوا جدكوا يكملكوا بقى
صاح الأولاد فى فرحة لأن جدهم من سيكمل الحكاية , ثم بدأ الجد يكمل حكايته قائلا : وسافرت الشمس من تانى لمكانها فى المجرة وفى المرة دى أخدت سنة ونص ومكانتش عارفة السبب ياترى ليه ؟؟ ولما وصلت الشمس لمكانها فى المجرة لقت أغرب حاجة فى الدنيا .. لأول مرة بتلاقى القمر بيدى الناس نور بليل وبيسرق عشانهم الفرحة ويوزعها عليهم بالتساوى كل ليلة لما هى بتنام ... وهنا الشمس غضبت أوى من القمر ومن الناس وحلفت لتعذبهم كلهم ... قررت الشمس تجرى تلبس تاج النور وأشعت نورها على القمر وحرقت وشه وشوهته ... وبعدها بصت الشمس للبنى آدمين وقالت : إتحكم عليكوا يا قاسيين بهجرة أحلامكم كل يوم بليل فى الوقت اللى كان بيتسرق لكم فيه النور لما كان القمر بيسرقه ... وهتفضل همومكوا كل يوم تعذب القمر كل ما تزيد وهتفضل أحلامكم وهى بتتحرق كل يوم تشوه وشه أكتر لحد ما أرضى عنكم وأصفح عن اللى عملتوه وخيبة أملى فيكوا
أحمد : وبعدين يا جدو عملت إيه كمان
الجد يكمل فى حماس : لأول مرة الشمس تلعن البشر وتقرر تحرق قلوبهم ... الشمس قفلت السما من كتر الغيوم وخليتها صعبة العيشة فيها بأى حال من الأحوال ولكن الناس صبرت ومع ذلك كمان الشمس لعبت فى وش القمر عشان يمتص آلام الناس بس وهمومهم ومينورش فى أى وقت ... وفى الحالة دى البشر عاشوا فى تعاسة ولكن مش دى النهاية ... النهاية تفرضها تيتا بقى يا ولاد
الجدة : اللى حصل إن القمر كل يوم وشه يتشوه وكمان مبقاش قادر ينور وملته خيبات الأمل والحزن والقهرة ولكن ... لأول مرة القمر يحس إن البشر بيكافحوا من أجله وبالذات طفل صغير قاعد عالبحر يشكى له ... والقمر كل يوم يفوت من قدام البحر بليل وحتى نوره مش كافى بالنسبة لأنه ينور للولد الصغير عشان يعرف يشوف صفحة البحر على نور القمر وفجأة بكى الطفل لما حس إنه حلمه فى إن القمر يرجع له تانى وفجأة حس القمر بإن الدمعة بتطهر قلبه وبتطهر وشه وصرخ القمر من كتر الوجع هوا كمان
أحمد : وبعدين يا تيتا ؟؟؟
تكمل الجدة قائلة : ولا قبلين ... فجأة صوت الصرخة والدمعة وصلوا لأبعد النجوم ... وهبط ضوء شديد قوى على الأرض طهرها من كل الغيوم ... وظهرت أقدم نجمة فى المجرة جنب الشمس ... وصرخت فيها عاللى عملته فى القمر وفى البشر وفى اللى عملته كله ... وهنا بقى يا ولاد مكانش ينفع ينكسر سحر تاج النور ويرجع القمر زى ما كان
محمد ( الحفيد الأصغر ) : أمال يا تيتا
الجدة تكمل قائلة : يا حبيب تيتا .... هنا بقى قررت أقددم نجمة فى المجرة إنها تعاقب الشمس بإنها تسلبها تاج النور ومش كدا وبس بل كمان تحرمها من النار اللى بتعذب بيها الناس طول النهار ... وقررت أقدم نجمة فى المجرة تسيب حالة القمر زى ما هى عليه مع تغيير ...
أحمد : إيه التغيير يا تيتا ؟؟؟
الجدة تقول : جدو هيقولكم أهوه ...
يكمل الجد الحكاية قائلا : أقدم نجمة فى المجرة سابت القمر بيمتص كل يوم هموم البشر ويحرقها وينور لهم طوووووووول الليل ... ويمتص أحلامهم المستحيلة ويبعدها عنهم عشان مش توجعهم عدم تنفيذها فى يوم من الأيام ... عشان كدا على طول بنلاقى القمر يا ولاد فى نقط سودا ... دى الأحلام اللى بتبقى بعيد عن صحابها ومستحيل تتحقق ... هناك بتنطفى ولكن حرق الهموم بينور القمر أكتر كل يوم ... كل كل كل يوم ... وتوتة توتة خلصت الحدوتة ... حلوة ولا ملتوتة ؟؟؟
لم يلتف الصغار حولى فقط هذه المرة ولكن إلتفوا حول كرسيينا معا وأخذوا يغنون : ربنا يخلى لنا جدو وتيتا حبيبتنا ... لأنظر لها قائلا : عشت عمرى عشان أحقق لك حلم وميبقاش مستحيل ... ولسه بحبك
تمت ..
فقرى
إلى الملهمة والحبيبة وست الكل والدنيا بحالها كلها مع بعضها :)

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

دايما رائع..للأبد وأبدا

شكرا

Sally Ahmed يقول...

رائعه .....

sony2000 يقول...

الله عليك

ايه ياعم دا كلوووو

غير معرف يقول...

السلام عليكم

حلوه اوى
بس هو انت مش ناوى تكمل باقى الغضب المشروع؟؟